لم يهتموا بالثقافات الغريبة عنهم و كانوا يعتقدون انهم الافضل بين البشر. ها هم يعيشون بدخل اسوار المدينة العالية التي تفصلهم عن كل ما هو خارجها و بالنسبة لهم خارج الاسوار ما هو الا وسيلة لاستيراد الاشياء و بيعها للغير فمواردهم و صناعتهم البدائية هي من افضل و اجود الانواع.. او هكذا كانوا يوهمون انفسهم ليرضوا كبريائهم.
يبجلون حكامهم او بمعني ادق يبجلون حاكمهم و احبابه معتقدين انهم نعمة من الههم لان بالطبع هم مبجلون من اللهم و يعتقدون انه لم يخلق سواهم و هو حق شرعي لهم لا يشاركهم بنعمه او عبادته احد اخر…اله يعتقدون انه جندي لهم يمطر اعدائهم بوابل من المصائب و الكوارث الطبيعية فقط لانه راضي عنهم و يحبهم لدرجة انه يكره الاخريين…اله يحب و يكره و يشعر بالغيرة و ينقص كبريائه و يًجرح عندما يتكلم عنه الاخرين من غير المؤمنين لذلك ينتقم منهم من خلال قوة الطبيعة فيبعث لهم بالزلازل و البراكين و العواصف لتهد مدنهم و تقتل نسائهم و اطفالهم. من حين الي اخر يرسل لهم ذلك الاله بعضا من تلك الظواهر فقط ليمتحنهم و يثبتهم و يبتليهم لكنه ابدا ليس غاضبا عليهم…كيف يمكنه ذلك فهم افضل البشر اجمعين.
يعيشون كالثيران حول السواقي..سواقي غير مرئية و لكنهم يعلمون بوجودها.. يشعرون بها و يشعرون الحبال المربوطة حول اعناقهم.. يشعرون و ينكرون كل تلك المشاعر تحت مسميات مختلفة…لكل شخص مسمي و مبرر او اكثر لكل تلك القيود التي تقيدهم. يدركون كلما كبروا بمدي ثقل تلك القيود و بمدي غباء و ظلم فكرتها الي ان يصلوا الي نقطة يخلعون تلك القيود..يخلعونها فقط ليربوطها حول اعناق الجيل الذي يلحقهم ليقيدوه كما كانوا مقيدين فمهما كانت وضاعة تلك القيود مازال هناك مبررات و مسميات لاهميتها و قدسيتها و كل هذا يأتي في شكل لفافة واحدة مع القيود تقيد الاجيال و تطعمهم مرغمين كل تلك المزاعم عن اهمية القيود و مبرراتها بالاضافة الي عبادة الاله الذي في اغلب الاحيان يأمرهم كما يزعمون بكل تلك القيود و هناك دائما قصة او اكثر لاثبات تلك المزاعم.. قصص لا يصدقها عقل و لكن هذا هو المطلوب في اغلب الاحيان.. فالعقل ليس مهما بالنسبة لهم بل هو نقمة.
يعيش هؤلاء بعد فك القيود حياتين مختلفتين. الاولي في الصباح كما كان و كأن شيئا لم يتغير. يذهبون الي اعمالهم و يعبدون الههم و يبجلون دينهم و ابائهم و اجدادهم لكن كل هذا يختلف في المساء. يأتي المساء ليتخلي من فك القيود و البسها لغيره من وقاره.. يتخلون عن مبادئ الدين التي وضعوها هم و اسلافهم كتفسير لكلام الههم. يعتقدون انهم فوق كل شئ و انهم دائما علي حق. يسبون و يلعنون كل من خالفهم في التفكير او المعتقادات او حاول ان يلفت نظرهم لشئ خاطئ قد يكونوا يفعلونه او علي وشك.
حاكمهم المبجل العظيم..كلهم مبجلون..كلما حاكمهم احد يكون افضل من انجبته بطن..يكون الفارس المغوار الذي سوف يقود امتهم الي النصر العظيم مبيدا اعدائهم و اعداء الههم محققا لهم الرخاء و السعادة. و كلما مات حاكما تنتشر الاقاويل و الكتابات و المنشورات التي تتحدث عن كيفية استبداده و تحكمه في الناس و فساده ليرضي من حوله لتصل الي انه اوضع شخص انجبته بطن..و هكذا و هكذا..ساقية.
يأتي الحاكم الجديد ليتكلم عن انه خادم لهم..خادم لمدينتهم و الههم و دينهم و معتقداتهم.. يكون من الاسهل اذا قال لهم ملخصا انه خادم لسقيتهم و سوف يحرص علي ان تدور دائما كما تدور الان. يصفقون له و يهللون و تقام الاحتفالات و المأدب و ترفع الشعارات و توزع المنشورات و يكون الحاكم هو الاله الثاني علي الارض.
خارج اسوار المدينة يعيش شخص غريب عن المدينة..ولد بالمدينة لكنه غريب عنها و عن اهلها و عن عاداتهم و تقاليدهم و سواقيهم. فوق تلة مرتفعة و بداخل ما قد يسمي بيتا لكن لا يرتقي ليتخطي وصف عرزال و قد سقط من فوق شجرة متحطما ليكون ملجأ من عوامل الطقس و لكنه في الحقيقة يزيد من تأثير تلك العوامل.. يعيش هذا غريب الاطوار. يصفه البعض بالمجنون.. و لربما هو فعلا مجنون و قد جن منذ زمن.. اخرون يخافون منه و يعتقدون انه الشيطان علي الارض بل هو في اغلب الاحيان السبب الذي قد يجعل الههم يغضب عليهم و يبتليهم و يختبرهم بينما ذلك المجنون, الشيطان يشرف عليهم من منزله فوق التلة يتأمل في انتظار اللحظة المناسبة ليفتك بهم. يفكرون كثيرا في قتله, سجنه, تعذيبه من اجل الههم و لكن تنتشر القصص و الاساطير عن هذه الشخصية التي طالما عاشت في ذلك الكوخ لا تموت و لا تختفي بل تظهر من العدم كلما حاول اسلافهم قتلها و نجاحهم في ذلك.. تسيطر عليهم تلك الاساطير بدرجة كبيرة جعلتهم يعتقدون انها نفس الشخصية لا تموت… كيف تموت و هو الشيطان علي الارض.. و غفلوا عن التفكير في احتمالية انتقال اكثر من شخص للعيش بداخل ذلك الكوخ كلما كان متاحا.. و كأنما هناك دائما شخص تواق للهروب من داخل اسوار المدينة ليعيش وحده فوق تلك التلة.. الاسوار التي يعتقدون انها تحميهم من ما خارجها هي في الحقيقة اسوار سجن لبعضهم.
يعيش ذلك الشخص بمفرده علي ما يبدو لكنه في الحقيقة يتواصل مع بعض الاشخاص بداخل المدينة و خارجها..يعرف الاخبار و ينقل ما يعرفه من اخبار.. لكنه في النهاية…وحيد. تحاوطه كتب قديمة و جديدة تبدو و كأنها عواميد تنتظر اللحظة المناسبة لتتهاوي لتدفنه تحتها..سوف تصبح تلك الكتب ابطالا اذا نجحت في قتل الشيطان.
خلف الكوخ المتهادم مكان يشبه اماكن الجن في الروايات و الاساطير.. اخضر طوال السنة ينبت انواع من الاشجار كفيلة بقتل شخص من كثرة الاكل. تحيط الاشجار انواع من النباتات اجتمعت معا بطريقة سحرية لتندمج الوانها في منظر خلاب يأخذ العقل..كيف يمكن ان يعيش ذلك الشيطان..ذلك المجنون في هذه الجنة… كيف لم يراها احد من اهل المدينة؟ هل لانهم يخافون الاقتراب من ذلك الكوخ الذي تحميه الارواح الشريرة و الجن و الشياطين اتباع الشيطان الاعظم؟ او ربما رأوها و لكن بالنسبة لهم هي طريقة حتي يسحر ذلك المجنون من يراها و يجذبه اليه ثم يقوم بما يقوم به علي حسب الرواية التي تريد تصديقها..فالروايات كثيرة…اكثر مما تستطيع السطور ان تسردها.