هل هي متعة الوصول لشئ شخصي لاحدهم ام هي مجرد شعور بالسيطرة و القوة؟ هل تشع كل هذه الشاشات المضيئة نشوة من نوع ﻻ يعرفه ولا يفهمه اﻻ كل من سهر لياليه محدقا عينيه يمتص كل تلك الاشعة ولا تكفيه بل تزيده فضولا و تملئه بالتحدي؟
ﻻ يوجد مصدر اضاءة في الغرفة و لكنها مضيئة كنور الصباح فثلاث شاشات 19 انشا و كومبيوتر محمول 15.6 و اخر 11 يكفيان ان يخطفوا انظار من ينظر باتجاهم. لربما يكونوا جميعا مصابين بعطبا ما و لربما لا يستطيع كل شخص ان يفهم ما يعرضوه من كلام متحرك بسرعة تبدوا كلماته متشابهة.. فقرة واحدة متصلة تخلوا من علامات الترقيم بعضها فقط يظهر بشكل يجعله مميزا عن الباقي و لكن كلهم سيان لمن لا يفهم.
ﻻ تعرف اذا كانت طاولة صنعت لشئ اخر ام مجرد مكتب صنع بشكل مختلف. ﻻ يمكن تحديد لونه الطبيعي علي الاقل فهو مدفون يقبع تحت مئات ان لم تكن الاف من الاوراق التي تختلف في لونها و شكلها بشكل ملحوظ و لكنه ليس كافيا للوصول الي ما تريد من وسطهم اﻻ اذا امتلكت ذاكرة عشوائية من نوع ما تمكنك من معرفة مكان ما تبحث عنه في لحظة معينة. ربما هو فخ ليعرقل من ليس مسموحا بوجوده او ليس مصرحا لاستخدام تلك الاجهزة.. وربما هي فقط اجيال من لوحات المفاتيح تعاقبت علي هذا المكتب و انتهي أمرها و لم تدفن بشكل لائق فقط اكملت حياتها بجانب الاحدث منها و هكذا..
تفوح من المكان رائحة قوية تطغي علي كل شئ..رائحة لذيذة للبعض..لذيذة لانهم يستطيعون تذوقها..تخيلها. لكنها مجرد رائحة مقززة للبعض…فالجميع لا يحب القهوة و البعض يعشقونها. قد يبدوا الامر مستحيلا و لكن كما لو كان هواء الغرفة تشبع بدخان السجائر لدرجة ﻻ تحتمل جعلت الدخان يهيم في ارجاء الغرفة بدون ان يذوب و يمتزج بالهواء مسمما اياه…منظر سحري يضفي عليه جمالا تساقط الالوان المنبعثة من الشاشات عليه ليتراقص معها كما تتراقص الثعابين متابعة ناي الساحر.
يمتاز القطار بصوت مميز متواصل و ثابت يجعلك تضيع في افكارك…هنا يصدر صوت مماثل فقط بعشوائية اكبر و ان جعلتها السرعة صوت واحد متصل. هدوء الكون و تقلب الناس في مضاجعهم يضخم الصوت عشرات المرات ممتزجا بصوت موسيقي خافتة ﻻ تستطيع تحديدها و لكنك تسمعها و تمتقت منها..فهي كالجزرة المعلقة بعصي ثابتة امام البغل ﻻ يستضيع الوصول اليها و لكنه يعرف انها امامه.
اذا استطاع احد ان يسرع الايقاع قليلا لرقصت الغرفة في عرض من اضواء و ظلال و موسيقي من صوت صب ماء, احتكاك حجر القداحة, و ذلك الصوت المتقطع كصوت القطار ممتزجين بزنة متواصلة كزنة البعوضة. ايقاع يتواصل طول الليل و يهدأ تدريجيا في ساعات النهار الاولي ثم يتوقف نهائيا طوال النهار كما لو مات كل شئ في لحظة واحدة و مع موت شمس النهار التي تمنعها ستائر ثقيلة من الوصول لاي شئ داخل الغرفة تبدأ الحياة في العودة مرة اخري الي كل شئ ليعلوا ذلك الايقاع بطيئا في بادئ الامر كرقصة رومانسة بطيئة يغازل كلا من طرفيها الاخر في نعومة و خجل لتنتهي بممارسات عنيفة لا تتوقف اﻻ عندما تكشفها اشعة الشمس صباحا لتعلن نهايتها و يتفق الطرفان بدون كلمة واحدة علي ان يتقابلا مجددا عندما يتخلصون من ذلك الكائن المزعج الذي يرمقهما بنظراته المنيرة و الحارقة في غضب. ايقاع مستمر و يستمر…فمتعة الوصول لشئ شخصي لاحدهم..القوة…السيطرة…نشوة ﻻ تتوقف.